مواعيد الطرب الأصيل في مسرح «بابل»

المقاله تحت باب  أخبار و متابعات
في 
26/08/2009 06:00 AM
GMT



«مسرح بابل» المحاذي لشارع الحمرا، يفرض نفسه فضاءً ثقافياً بديلاً، في الموسم الرمضاني، إذ يعوّض، ولو على نطاق ضيّق، نقصاً فادحاً في الإعلام المرئي الذي فضّل ــــ هذه المرّة أيضاً ـــ التسلية والترفيه على الفنّ الراقي. حقّق نشاط «أماسي رمضانية» هذه السنة تقدّماً ملموساً: أوّلاً، من حيث المثابرة في الرهان على تقديم مواعيد موسيقية تحترم الذائقة الفنية. وثانياً، من حيث حجم البرنامج وتنوّعه. إذ يصل عدد المواعيد هذه السنة إلى تسعة (مقابل ست حفلات في رمضان الماضي)، يُقدَّم كلٌ منها على مدى ليلتَيْن متتاليتَيْن، وترسم الخريطة الجغرافية للموسيقى الأصيلة والغناء الشعبي والتراثي والطربي من العراق إلى مصر مروراً بسوريا ولبنان. ويمكن اعتبار أماسي «بابل» الرمضانية بمثابة مهرجان موسيقي إقليمي إذا صحّ التعبير، لا يقلّ أهمية عن مهرجانات الصيف اللبنانية الدولية (بعلبك، بيبلوس وبيت الدين) التي اختُتِمت في الأمس القريب.
هذا الموسم أيضاً، يجمع بين مختلف الأمسيات عنوان عريض هو الفنّ العربي الأصيل أو البديل. وسيلاحظ الجمهور عودة فنانين للمرّة الثانية إلى الـ«أماسي»: نصير شمّة وسميّة بعلبكي. لكن الشعر يغيب هذه السنة عن «بابل»، بعدما حضرت في الموسم الماضي نازك الملائكة من خلال صوت زاهي وهبي، بين حفلات جاهدة وهبة وزياد الأحمدية وسحر طه...
ويتوزّع برنامج «بابل» في رمضان 2008 إلى قسمَيْن أساسيَّيْن: الأول موسيقيّ آلاتي، ويضم النَفَس المجدِّد والرؤية الحديثة بأدوات كلاسيكية، للموسيقى الشرقية مع نصير شمّة. هذا المؤلف الموسيقي، ووريث المدرسة العراقية في العزف على آلة العود، يُحيي مساء اليوم وغداً حفلتين بعنوان «وتريات عراقية»، تعيدنا إلى إطلالته السابقة من على الخشبة نفسها، وكذلك إلى حفلاته المختلفة في لبنان، خلال صيف 2003 ثم ربيع 2004. وضمن السياق نفسه أيضاً، نحن على موعد مع الرؤية المحافِظة الأصيلة، ذات التركيبة الموسيقية الكلاسيكية، كما تجسّدها فرقة «التخت الشرقي النسائي السوري» التي تحمل أمسيتاها عنوان «ليالي طرب أصيل» (16 و17 سبتمبر).
أما القسم الثاني من البرنامج، فهو غنائي طربي أو إنشادي، منفرد أو جَماعي، ويضم فرقة «وجوه» السورية التي تستعيد تحت عنوان «شرقيات» (6 و7 سبتمبر)، وبأسلوب خاص وأمين، روائع من التراث الموسيقي والغنائي العربي والتركي والأرمني والأذربيجاني. كما يقدّم البرنامج «سهرة مع المقام العراقي» (9 و10 سبتمبر) في أمسيتَين يحييهما المطرب حسين الأعظمي، أحد أبرز الوجوه المعاصرة (بحثاً، تأريخاً وتنفيذاً) في مجال هذا الفن الغنائي الخاص بالعراق والمتوارث منذ العصر العباسي. وللإنشاد الصوفي حصته البديهية، والأكثر تلاصقاً بالمناسبة، مع الفنان المصري مصطفى سعيد (14 سبتمبر) الذي التقيناه في «بابل» أيضاً أواخر حزيران (يونيو) الماضي، يوم إطلاق ألبومه الأول «رباعيات الخيام» (ضمن «مهرجان فوروورد» للموسيقى).
وفي السياق نفسه، تعود المطربة اللبنانية سمية بعلبكي إلى «بابل» لتحيي «ليالي الأنس» (19 و20 سبتمبر) بعد مشاركتها السنة الماضية في الأماسي، وإطلالتها المتجدِّدة المتمثلة بأسطوانة «تانغو عربي» التي قدّمتها على الخشبة نفسها منذ شهرين (ضمن «مهرجان فوروورد»).
وتتوالى اللحظات الغنائية في المهرجان لتشمل الطرب الأصيل مع فرقة «شيوخ سلاطين الطرب» السورية التي تقدم أمسيتَين تحت عنوان «سوى ربينا» (24 و25 سبتمبر)، إضافةً إلى المغنية اللبنانية غادة شبير (27 سبتمبر) التي ستقدّم أسطوانتها الصادرة أخيراً «قوالب» التي غنّت فيها الشيخ سيد الدرويش بقالب توثيقي ومهني معهود في مسيرة شبير الناهضة بعصر النهضة الموسيقية العربية وأسلافه. وفي الختام، وجه آخر من الغناء العربي مع الفنانة اللبنانية أميمة الخليل التي تحيي في ذاكرتنا، ومن ذاكرتها، بعضاً من أغنياتها الاجتماعية الملتزمة في حفلتَين بعنوان «من ذاكرتي» (3 و4 أكتوبر).
وفي الختام، لا بد من الإشارة إلى أنّ صالة مسرح «بابل» ليست المكان المثالي للمواعيد الموسيقيّة، بسبب هنّات هندسيّة تتعلّق بقدرة المكان على إيصال نقاوة الصوت ووضوحه. لكنّ ذلك لن يقلّل من حماسة الجمهور النهم إلى هذه المناسبات. على أمل أن تزدهر الصالة التي يديرها مخرج عراقي بارز عربياً، بالعروض المشهديّة أيضاً، حالما ينتهي الموسم الرمضاني... كي لا يقال يوماً إن جواد الأسدي همّش المسرح لمصلحة الموسيقى