قاسم حول : ممثلو فيلم «المغني» خرجوا من أسرِ ثلاثين عاماً

المقاله تحت باب  سينما و مسرح
في 
18/07/2009 06:00 AM
GMT



للمرة الأولى تدعم مؤسسة «Arte» الفرنسية فيلما من العراق. وهو فيلم «المغني» الذي كتبه وأخرجه المخرج السينمائي العراقي المقيم في هولندا قاسم حول، وقد عرفت هذه المؤسسة العالمية الثقافية بتقديم الدعم للثقافة السينمائية، لكن أغلب هذا الدعم يقدم للأفلام التونسية والمغربية والجزائرية والمصرية.
واختار كاتب ومخرج الفيلم مدينته البصرة ليصور فيها أحداث فيلمه. التقته «أوان» في باريس وأجرت معه هذا الحوار:

* أنتم تعملون الآن على مونتاج الفيلم في فرنسا.. متى يكون جاهزا للعرض؟
- المونتاج وحده كعمليات توليف يستغرق قرابة الشهرين، ولكن هناك عمليات فنية أخرى من مزج الأصوات «المكساج» والموسيقى وعملية توحيد الألوان وتصحيحها ثم طباعة النسخ وتحضير العمليات الإعلامية للعرض من الملصقات والبروشورات. وبالنسبة لي سوف تنتهي مهمتي كمخرج بالإشراف على عمليات المونتاج ويصبح الفيلم ملكاً للمنتج وللجمهور وهو يحمل اسمي كاتباً ومخرجاً للفيلم.

* هل سيعرض مباشرة في صالات العرض الأوروبية والعالمية؟
- نعم.. من المفروض أن يعرض في صالات السينما في العالم، ولكن لا أريد أن أستبق الأحداث مع أن المنتج سعيد ومتفائل بنتيجة الفيلم بعد أن شاهده وبعد أن حضر تصوير بعض مشاهد الفيلم في مدينة البصرة. كما أن مستوى الفيلم سوف يحدد سياسة التسويق. بالنسبة لي راض عن نتائج التصوير وهي بتقنية أوروبية قياسية صورة وصوتا. كذلك أداء الممثلين، فقد بذلت جهدا كبيرا في إخراجهم من النمطية العربية السائدة في الأداء ووضعتهم في الطريق الذي أراه كمخرج وهذه مهمتي، بقي بناء الفيلم فقد وضعت تصورا للعملية المونتاجية وكتبت سكربت تفصيلي للمونتاج وسوف يلعب المونتير دوره الإبداعي هو الآخر ونتوصل إلى الشكل الأخير للفيلم، وسوف يقرر المنتج الفرنسي وتقرر المؤسسة الفرنسية الداعمة فيما إذا كانوا يباشرون في عرض الفيلم أم أنهم يجدون فيه فرصة لمهرجان سينمائي دولي قبل أن يصار إلى عرضه تجاريا. بالنسبة لي عندما أنتهي من المونتاج تكون مسؤوليتي قد انتهت حتى أتوجه لفيلمي القادم عن الإمام الحسين الذي استغرقت عندي عملية البحث وكتابة السيناريو قرابة السبع سنوات. وسيكون تصوير هذا الفيلم في العراق. 
 
* ما هي حكاية فيلم المغني.. ولماذا تأخر تصويره، فهو مدعوم ماليا منذ العام 2003؟
- كان هذا الفيلم قد أعطي للمنتج الفرنسي الشهير «بلزان» الذي أنتج أغلب الأفلام المصرية المدعومة من الآرتي ووزارة الثقافة الفرنسية ونفذ إنتاج الكثير من الأفلام التونسية والمغاربية والجزائرية. وقد أعجب بموضوع فيلم المغني ووافق على إنتاجه كمنتج منفذ، لكنه وبسبب مشاكل نفسية أو اقتصادية وجد ذات يوم وقد شنق نفسه داخل مكتبه. فتوقف إنتاج الفيلم.. لكن مؤسسة الآرتي الفرنسية ولحبها لموضوع الفيلم ومع مرور الفترة الزمنية للإنتاج دون أن يتحرك الفيلم فإنهم كانوا يرحلون الموافقة من سنة إلى سنة أخرى حتى استقر الحال مع الشركة الجديدة التي تولت إنتاج الفيلم. وقد انتهى التصوير. بالنسبة لي دائما عندما ينتهي التصوير يكون الفيلم قد انتهى فإني أرتاح من مشاكل الإنتاج ومشاكل الممثلين.

* وهل للممثلين مشاكل؟
أتحدث بشكل عام حيث يصدف أحيانا عندما يغيب الوعي عن الممثل فإنه لا يدرك معنى طقوس العمل السينمائي. في الغرب هذا لا يحدث لأن الممثل في السينما يحترم طقوس العمل السينمائي وعقود المنتج حازمة في هذا المجال.. عندنا في المنطقة العربية الممثل أحيانا وأؤكد على كلمة أحيانا هش الثقافة الإنسانية ولكنني في فيلمي هذا وجدت في الفنانين الذين شاركوا معي وهم من البصرة وبعضهم من مدن العراق الأخرى مثل مدينة الحلة وجدت فيهم ورغم معايشتهم لحقبة قاسية من تاريخ العراق وعدم مغادرتهم الوطن، وجدت فيهم حجما من الوعي والوفاء وحبا مخزونا للثقافة وجدوا في المغني فرصة حقيقية لتحقيق أحلامهم والخروج من الأسر الذي وقعوا فيه طوال أكثر من ثلاثين عاما من حقبة الدكتاتورية. 
 
* ما علاقة الدكتاتور بقصة فيلم المغني؟
- الدكتاتور هو شخصية رئيسية من شخصيات القصة، ولكن الحكاية هي حكاية المغني وهو بطل القصة كما يطلق عليه وقد لعب دور المغني الممثل والمخرج العراقي عامر علوان شاركته البطولة أثمار خضر. أما الدكتاتور الذي لعب دوره طارق هاشم فإنني لم أسمه بالاسم كدكتاتور عراقي حتى يمكن إسقاطه على أي دكتاتور في المنطقة. ولعبت كاترين الخطيب دور عشيقة الدكتاتور. وإنعام جصاص زوجة الشاعر.. هؤلاء جلبتهم من خارج العراق وهم ممثلون عراقيون.
بقية الشخصيات الرئيسية فهي أغلبها من داخل العراق فقد لعب دور الجنرال الممثل العراقي مجيد عبدالواحد ومثل دور رجل المخابرات عباس حمدان وهو عميد معهد الفنون في البصرة كما لعبت الممثلة خلود جبار دورا رئيسيا وكذا الممثلة رشا الكناني والممثل مؤيد عبد الستار وقد لعب الأستاذ في معهد الفنون في الحلة حميد شاكر دور العالم ومثل الفنان ظافر نادر دور الشاعر والممثل يوسف صلاح الدين وعبدالحسن نوري والدكتور طارق العذاري الذي لعب دور السفير الروسي وإياد عبد السيد ورجاء السعد وبلال منصور وشمم الكعبي والدكتور عبدالله عبدعلي والدكتور حسين البدري وجاسم حمادي وحيدر صالح دشر وعلي عادل وعصام جعفر وأمين علي ومصطفى حسين محمد وأحمد محمد جواد، كما لعبت أنا للذكرى دور الأخرس لمدة دقيقة واحدة في الفيلم... وكلهم في الحقيقة ممثلون كبار أدهشوني في قدراتهم الإبداعية وفرحت كثيرا أنهم لم يكونوا ممثلين دائمين في المسلسلات العراقية والعربية وإلا ربما كان من الصعب إخراجهم من الأداء النمطي في المسلسلات التي تغرق بها شاشات التلفزة العربية.

* ولماذا استعنت ببعض الممثلين العراقيين من خارج العراق؟
- هناك مشاهد في الفيلم يتعذر على ممثلات أو ممثلي العراق ولأسباب اجتماعية أداءها. ولولا هذا الجانب لأستعنت بكافة الممثلين من داخل العراق وخاصة أولئك الذين ركنوا للسكون ولم يقتربوا من العمل حتى لا يكون صيدا في غابة الدكتاتورية، فهم يستحقون الفرصة وأثبتوا جدارة في عشقهم للعمل معي في فيلم المغني. 
 
* كيف تمكنت من تحقيق مثل هكذا فيلم في ظروف العراق الصعبة؟
- تحقق ذلك بدعم من السلطات العراقية المركزية في بغداد والمحلية في مدينتي البصرة. كانوا عونا لي في الحماية وتوفير الجوانب العسكرية في مشاهد الفيلم. موقفهم ينم عن وعي وعن رغبة حقيقية في دعم الثقافة ودليل على أن المستقبل بخير. وهنا لابد أن أسجل وعي الشارع العراقي والشارع البصري فلم أكن أتوقع أن يتعاون معي الناس في الحارات الشعبية وفي الشوارع وبهذا المستوى من التعاون وحب السينما ما جعلني أزداد ثقة بمستقبل الثقافة السينمائية في العراق رغم الظروف الصعبة التي يعاني منها البلد في إعادة بناء نفسه.

* ما هي حكاية الفيلم لو أردنا اختصارها؟
- القصة تدور ليلة احتفال دكتاتور بعيد ميلاده. يتأخر المغني بسبب عطل في سيارته من الوصول في الموعد. الدكتاتور يغضب وعند وصول المغني يطلب منه أن يغني ووجهه للحائط لأنه لا يطيق النظر إليه. تحصل أحداث كثيرة داخل الحفل والمغني لا يتمكن من الالتفات نحو الصالة.. إلى آخر القصة!

* هل تعتقد أن الفيلم سيحظى بعروض في المنطقة العربية؟
- ليس سهلا .. فكثيرون من شخصيات المنطقة يشبهون شخوص القصة! ولكن هناك شرائح دي في دي..سوف يصل الفيلم بالتالي لجمهوره.

* هل لك أن تعطينا قراءة لمستقبل السينما في العراق بعد زوال نظام الدكتاتور؟
- الثقافة السينمائية لعلها أصعب أدوات التعبير في عملية البناء الثقافي والاجتماعي لأنها تحتاج إلى قاعدة مادية للإنتاج. السينما تحتاج إلى معدات غالية الثمن سيما إذا ما فكرنا بمستوى تقني للصناعة وتحتاج إلى مدينة سينما وتحتاج إلى واقع مرتاح ومستقر حتى يمكن استخدام الواقع في السينما واقع المكان وواقع الناس ومزاج الناس وأن يشعروا بأن فن السينما هو فن راق وليس أمرا مخجلا كما يعتقد البعض الذين يتشبثون بمقولات سلفية غير متحضرة ولا تنتمي إلى المدنية وهذا يسهم في قتل عملية إبداع كبيرة. هناك عقول لا تريد لهذه الثقافة أن تنمو. وكان ثمة خوف في اقتحام الواقع والمباشرة بالتصوير لأن العملية لا شك تنطوي على نسبة من المغامرة والمخاطر الحقيقية.
أنا مثلا احتجت إلى زورق أطلق عليه النار في شط العرب. صناعة هذه الزوراق محصورة في منطقة قيل إنها مخيفة وخطيرة حيث يتجمع فيها عدد من الناس الذين أطلق الدكتاتور سراحهم من السجون قبل سقوطه لكي يربك الواقع الأمني والاجتماعي، فذهبت صوبهم وأخذت معي عنصرا واحدا من أمن الدولة وقائمقام المنطقة والتقيتهم وهم يقومون بصناعة الزوارق «المشاحيف» وتعاقدت معهم ومع اثنتين من النسوة اللواتي يجذفن في الزورق وعدت بسلام ووجدت ممثلي الفيلم في حالة توتر حيث استغرق غيابي نصف يوم عشته بينهم. وللمناسبة فإني هناك شاهدت غابات النخيل التي أحرقها الدكتاتور وهي المنطقة التي تمتد على ضفة شط العرب وفيها ما يقرب من ثلاثين مليون نخلة.
هنا أقول إنني وثقت تجربتي في فيلم وثائقي حيث صورت ما يقرب من خمسة عشر ساعة سجلت فيها تفاصيل تجربتي وسوف أخرج فيلما ربما طوله ساعة عنوانه «نهاية فيلم» سوف أباشر بالمونتاج حال الانتهاء من مونتاج فيلم المغني.
فلكي نبني سينما عراقية فإننا نحتاج إلى عراق فالسينما هي هوية وهي واقع.. سينما عراقية، تعني واقعا عراقيا وتعني هوية عراقية. لا يمكن إنجاز سينما عراقية في هولندا أو في سويسرا وإن حصل فيلم هنا أو فيلم هناك فهو استثناء وليس قاعدة. السينما الأميركية تحتاج إلى أميركا والسينما الإيطالية تحتاج إلى إيطاليا وكذا السينما العراقية تحتاج إلى عراق. وهذا العراق ينبغي أن يكون مستقرا حتى تتحرك الكاميرا دون أن ترتجف.