... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله Bookmark and Share

 

  فنون عالمية

   
خوان ميرو نحات يتخطى فن النحت في معرضٍ استعادي

انطوان جوكي

تاريخ النشر       11/08/2008 06:00 AM


تعود شهرة الفنان الأسباني الكبير خوان ميرو (1893-1983) إلى الفترة الأولى من مساره الفني، أي إلى اللوحات والقطع الفنية التي أنجزها أثناء نشاطه البارز داخل الحركة السرّيالية. لكن انجازات هذا العملاق لا تتوقف عند هذا الحد. فبين عامَي 1966 و1974، ثم في بداية الثمانينات، حقق منحوتاتٍ برونزية بقيت غير معروفة على رغم أهميتها القصوى كخلاصة لتجاربه الفنية السابقة. وهذا بالتأكيد ما دفع بالقائمين على متحف الفنون الجميلة في مدينة كركاسون الفرنسية إلى جمع جزءٍ مهم من هذه الأعمال داخل معرضٍ مثير لا بد من التوقف عنده.
وتجدر الإشارة أوّلاً إلى أن ميرو انطلق في نشاطه النحتي في الستينات لاعتباره وسيلةً للذهاب أبعد مما يسمح به فن الرسم. ومنذ العشرينات، صرّح عن رغبته في «اغتيال فن الرسم»، تصريحٌ كرّره من جديد عام 1974، في مناسبة معرضه الإستعادي في «القصر الكبير» (باريس) الذي كشف فيه لوحات محروقة عمداً ومنحوتات برونزية رائعة.
وأوّل أعمال أنجزها في هذا الوسيط عام 1966، في مسبك «باريلادا» (برشلونة)، استخدم فيها نوعاً من المسطّحات البرونزية التي تتميّز بخشونتها وتحافظ بالتالي على الطابع الأصلي لهذه المادة بعد تذويبها. وفي هذه الطريقة، اكتسبت هذه الأعمال لون الزنجار الذي تتخذه بعض المعادن على مر الزمن، فبدت وكأنها قطعٍ أثرية مستخرجة من تحت التراب. وانطلاقاً من عام 1966، فضّل ميرو النحت على الرسم لاعتباره إياه أيضاً وسيلةً لانصهار الفن بالحياة، ولكن أيضاً امتداداً للأعمال السرّيالية التي كان قد أنجزها في الثلاثينات. أما طريقة عمله فتقوم على الاختيار والتوليف لقطع خردة أو خشبية أو أوانٍ مختلفة كدّسها في محترفه ضمن مسعى يهدف إلى خلق مناخٍ شعري. وقد جمع الفنان هذه القطع أثناء نزهاته في ريف كاتالونيا حيث كان محترفه، فساهمت مع مرور الوقت في تشكيل «مفردات» نحتية فريدة. أما المنحوتات الناتجة عن هذه القطع فتمثّل في الحقيقة شخصياتٍ بشرية (نسائية خصوصاً) ووجوهاً وطيوراً وحيواناتٍ يسهل على المتأمِّل فيها التعرف عليها، على خلاف المنحوتات الملوّنة التي أنجزها في الفترة ذاتها وركّز فيها على القطع التي تتألف منها، على رغم إسقاطها وصهرها داخل مادة البرونز، رافضاً بذلك القيم التي تتميز بها عادةً المنحوتة البرونزية.
وفي دفاتر الرسم التي خلّفها وراءه، ونشاهد بعضها في المعرض الحالي، خطّ ميرو مشاريع هذه المنحوتات. ويتبيّن فيها تصميم أعماله قبل سنواتٍ من إنجازها. ومراحل الانتظار هذه هي مراحل «مخاض» فني تبقى خلالها القطع الأولية طويلاً أمام عينيه قبل توليفها. وتحدّد الرسوم التحضيرية الخطوط العريضة لمنحوتاته وطريقة تشكيلها، كما تسمح للفنان بالمحافظة على أثرٍ حول كيفية تطوّر عمله بعد إنجاز هذه المنحوتات. وفي السنوات الأولى من هذه المرحلة، استخدم ميرو أوعية مختلفة لتمثيل جسد المرأة، كما يظهر ذلك في منحوتتي «رأس امرأة» (1966) و»رأس وظهر دمية» (1966) وفي المنحوتتين اللتين تحملان العنوان ذاته، «امرأة» (1966 و1967). في هذه الأعمال، يتجلى مبدأ التجميع المستخدم عادةً في فن الملصَق، إضافةً إلى بعض التعديلات على نماذجها بهدف استحضار تفاصيل جسد المرأة ومدّ هذا التشريك بين القطع بقوةٍ مجازية كبيرة.
وإلى جانب الشخصيات النسائية، مثّل ميرو وجوهاً تعود إلى مخلوقاتٍ خارقة انطلاقاً من أشياء عادية محوّلاً عالمنا اليومي إلى عالمٍ يتّسم بطابعٍ سحري. ففي منحوتة «رأس في الليل» (1968) مثلاً، استعمل صحناً لتصوير وجهٍ مستدير يعلو قطعاً معدنية تسمح بإبرازه داخل الفضاء، وقولب تفاصيله بمادة طينية. وكذلك الأمر مع منحوتة «رأس» (1969) المكوّنة من قطعٍ ثلاث متراكبة والمشكّلة سماتها من تراب. فبالنسبة إلى الفنان، المادة ليست جامدة والأشياء كائناتٌ حيّة. وفي السياق ذاته، حقق أيضاً شخصياتٍ ذات طبيعة أسطورية تتميّز بخفّتها وتبدو كأنها على وشك الطيران. فمنحوتة «البهلوان»(1969) مثلاً المكوّنة من ثمرة الكرنيب ومن أجزاء دمية، تشكّل تحدّياً لمادة البرونز الثقيلة التي تغلّفها، كما يبدو الجزء الأعلى من منحوتة «عصفور على شجرة» (1970) كأنه يتأهّب للارتفاع في الهواء. أما الشكل المدوّر في منحوتة «امرأة» (1970) الذي يمثّل النصف الأعلى من جسد هذه الشخصية فيبدو في حالة توازنٍ عابر، ومع ذلك فهو لا يقع لأن المرأة الممثّلة في هذه المنحوتة ترمز إلى ثبات المرأة المتوسّطية المتجذّرة في أرضها.
وخلال هذه المرحلة من حياته، أمضى ميرو فتراتٍ طويلة في كاتالونيا وجزيرة مايوركا حيث أنجزها معظم هذه المنحوتات. وتوقفنا عند هذه النقطة هو للإشارة إلى تأثّره الكبير بالفنون الحرفية القروية في هاتين المنطقتين. وفعلاً، تبدو منحوتاته مرتبطة بشكلٍ حميم بالطبيعة. وعلى هذا الصعيد، قال الفنان عام 1962:»المنحوتات الجيّدة تظهر بكل عظمتها في الهواء الطلق. فالشمس والرياح والمطر والغبار مصادر غنى لها». وتنقسم هذه المنحوتات إلى جزئين: جزء متروك على لونه البرونزي الطبيعي، وجزء مطلي بألوانٍ باهرة وصناعية. ولكن، على خلاف المنحوتات غير الملوّنة التي يصهر ميرو فيها القطع التي تتألف منها لتشكّل قطعة واحدة، يعمد في المنحوتات الملوّنة، وبواسطة الألوان المختلفة تحديداً، إلى لفت النظر إلى مختلف القطع التي تتألف منها. وفي الحالتين، يهدف الفنان إلى تقويض القواعد التقليدية للمنحوتة البرونزية. وفي عمله على مادة البرونز بهذه الطريقة، سعى إلى تخطّي فن المنحوتة، وبالتالي إلى تدميره. وما يبرر هذه القراءة القيمة الشعرية الخاصة التي تتمتع بها الأشياء العابرة، في نظره.
يبدو مسعى ميرو الفني شعرياً بالدرجة الأولى. فقد رسم ونحت كما يعمل الشاعر: الكلمة تأتي أولاً ثم تتبعها الفكرة.






رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  انطوان جوكي


 

بحث :

Search Help


دليل الفنانيين التشكيليين

موسوعة الامثال العراقيه

انضموا الى قائمتنا البريدية

ألأسم:

البريد ألألكتروني:



 

 

 

 

Copyright © 1997- IraqiArt.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
ENANA.COM