... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله Bookmark and Share

 

  محور النقد

   
ابطال زياد تركي هاجروا إلى خراب داخلي لا يفارقهم

سعد هادي

تاريخ النشر       16/07/2008 06:00 AM


من معرض «هجرة نحو خراب 2»في عام 2004، تنقّل المصور العراقي زياد تركي بين بنايات المؤسسات الحكومية المهجورة في بغداد، وقد احتلها الفقراء والمشرّدون بعد انهيار النظام الذي كانت واجهة له، بصرامته وسلطته اللانهائية، وهيمنته على الفضاءين الروحي والمادي. كانت تلك البنايات قد نُهبت ودُمِّرت ولم يبق منها سوى بعض هياكلها. حاول زياد تسجيل التناقض المثير بين ماضي تلك البنايات وخرابها في ظلّ سلطة الاحتلال. لم يكن الأمر اعتباطياً بالطبع، المحتلون أرادوا تدمير هيبة الدولة عبر رموزها الظاهرة. أما الناس العاديون فأرادوا أن يكتشفوا ما الذي يختفي خلف أسوار تلك القلاع الرهيبة، ثم خاضوا في الأيام التالية محاولة أنسنتها وإعادتها إلى الواقع: بعض الذين اقتحموا تلك البنايات راحوا يتصرفون في مفارقة غريبة على أنّها ملك لهم: بدأوا يعيدون تأجيرها أو يفرضون شروطه على ساكنيها. أما البعض الآخر، فلجأوا إليها في لحظة ضعف: إما مطرودين أو مهجرين أو هاربين. هكذا تحولت معاقل الحكم إلى مطابخَ وحماماتٍ... وتحولت الزنازينُ المنفردة إلى غرف نوم، وأقبيةُ التعذيب إلى مراحيض.... وقاعاتُ الاجتماعات الحزبية إلى مزابل.
بعد أربع سنوات من تلك الجولة في العوالم السفلى لبغداد تحت الاحتلال، قدّم زياد تركي المادة الفوتوغرافيّة التي جناها في معرض بعنوان «هجرة نحو خراب 2» الذي استضافه «معهد غوته» في دمشق أخيراً، وضم 28 صورة.
لماذا هجرة نحو خراب؟ لأن الناس هاجروا من أماكن تمكّنت منها الحرب إلى أماكن هي أشلاء حرب. هاجروا إلى خراب داخلي لا يفارقهم، في أماكن لا تعرف مَن هم ولماذا هاجروا. يريد الفنّان أيضاً، بعد أحداث سريعة وحاسمة، أن يذكِّر بأشخاص صوره، أين أصبحوا؟ هل فروا إلى أماكن أخرى؟ هل قتلوا في التفجيرات؟ ما مصير الأطفال الذين يظهرون في الصور أكثر من سواهم؟ وقد كانوا يتنقلون بين أروقة البنايات أشبه بالتائهين بين رغباتهم وفقر موجع: هل تحولوا إلى أفراد ميليشيات، أم إلى متسولين، أم إلى منتظرين خارج الحدود؟
أقام زياد عام 2005 معرضاً بالعنوان نفسه ضم صوراً بالأسود والأبيض، تنقل بين عدد من الدول: سنغافورة، ألمانيا، إيطاليا... وقد تأخر عرضه للصور الحالية، لأنه لم يشأ أن تضيع في زحمة الصور التي ترصد الوضع العراقي. كان ينظر إلى المأساة بالأبيض والأسود فقط. أما الآن، فها هو يدخل اللون إلى الصورة ليزيد من الأحساس بهول الفاجعة. هناك تفاصيل في صوره الحاليّة لم تكن تظهر من قبل: الخلفية مثلاً، بؤس الملابس وتداعي الأشياء، وما يظهر على ملامح الأشخاص. نقل المناخ النفسي أصبح (ويا للأسى) أفضل بالألوان! إنّها سيرة في مشاهد متتالية لزمن يتردى، سيرة لا يمكن تصديقها رغم وثائقيتها.
زياد تركي هو مدير التصوير في فيلم عدي رشيد «غير صالح» (2005) وهو من أوّل الأعمال الروائيّة في العراق بعد الحرب. كما اشترك مع الروائي العراقي علي بدر في إنجاز فيلم «تحت الرماد» من إنتاج الأونيسكو. وكان آخر ما أنجزه، قبل هجرته إلى سوريا منذ سنتين، فيلماً وثائقياً طويلاً بعنوان «بغداد مدينتي» Home Town Baghdad، صوّره مع ثلاثة مصوّرين هواة عن يوميّاتهم في ظلّ تصاعد النزاعات العرقية والمذهبية في العراق 2006. وينتظر أن يعرض الشريط قريباً في عدد من القنوات الفضائية.
في هذه الأثناء، يواصل الفنان العراقي الإعداد لمعرض عن باب توما في دمشق، مركّزاً على فكرة المكان ذي الثقافات المتنوعة. بالنسبة إليه ـــ هو القادم من خراب معماري ــــ فإنّ باب توما لا يتمتع بجماليات معمارية فريدة فحسب. إنّه مكان يذكِّره ببغداد الماضي، المدينة الكوزموبوليتيّة. لغة الضوء في باب توما تبدو الأبرز بين لغات متعددة. كأن الشمس هي التي بنت المكان، لا البشر.






رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  سعد هادي


 

بحث :

Search Help


دليل الفنانيين التشكيليين

موسوعة الامثال العراقيه

انضموا الى قائمتنا البريدية

ألأسم:

البريد ألألكتروني:



 

 

 

 

Copyright © 1997- IraqiArt.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
ENANA.COM