... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله Bookmark and Share

 

  مقالات فنيه

   
علاء سريح بين مونولوج الإقامة وأسرار الروح

علي النجار

تاريخ النشر       25/03/2008 06:00 AM



ليس بعيدا عن مرجعيات حداثية شائعة لجيل انغمر في فعل التباس بشقيه الخاص والعام، الذاتي والمرجعي، انغمر الفنان التشكيلي العراقي(علاء سريح) في عملية إنتاج أعماله(رسومه). وان كان شيوع هذه المنطقة الأدائية لا يلغي مناوراتها أو محاولة الإفلات من سيطرة بعض جزئيات تفاصيلها التشكيلية باجتهادات شخصية برغم ما تنصبه من فخاخ سطوتها اللونية وديناميكية تراكمات سطوحها أو احفوراتها التي لا تحد سبلها. لقد اختار الفنان طرقه الأدائية في هذه المنطقة الوعرة(لمشاعية انتهكتها)، وعليه أن يجد سبل انعتاقه من فخاخها.

إن كان الصخب اللوني مرادفا لتجاور وتراكم أو عزل السطوح أو البناءات المتعددة أو المتكررة التي تحتويها سطوح رسومه ،في محاولة حوارية ظاهرة وباطنه(مضمرة بديناميكية البناء أو الهدم) بشدة أو خفوت درجاته التي تناور تضاريس مساحات سطوحه أو رقعه الجغرافية المدنية. هذا الصخب أو الولع المديني استحوذ على حواسه وأيقظ فينا حنينا لأيام التيه في أزقة حياتنا الماضية. وبهاجس اغترابي أحالنا إلى مدن يعمرها صخب ملتبس. مثلما هو مقيد بصيغتها الطوبوغرافية التراكمية وبدلالة إحالاتها العمارية، كخرائط متشعبة. وبالرغم من هذا التشعب فإنها تظهر متنافذة واقتطاعات حذرة من مناطق سكنها أو سكنته في زمنه الاغترابي. فهذه المساحات المدونة بوازع هندسي يطمس أو يظهر بعضا من تفاصيلها بركام ملونته الضاجة أو الخافتة، لا تمت بأية شكل عياني إلى بيئته الحاضنة الأم في جنوب العراق(وهو من مواليد مدينة البصرة الجنوبية). افتقاده الحس المائي(تشعيبات الأنهار والسواقي والمسطحات المائية المضيئة حيث كان يقيم قبل اغترابه وانحساره أو انسحاقه بهذه الكتل العمارية الصم) ، مع كل هذا فثمة خيط سري يربط هذه الأعمال بنسيج لوني بيئي شرقي(عراقي) آذ لم تفقد أية رسمة من رسومه اللون الأحمر القاني أو بعض من شظاياه وكأنه تميمة(وهو كذلك في التشكيل العراقي) ملتصقة بالذاكرة التي ربما يخبو تلمسها للأساطير البيئية ألتي نجد أنفسنا نحن المغتربين مولعين بها أحيانا.
يبدو أن الفنان علاء كأسلافه الرافدينيين لايحتمل الفراغ واللعب على مناطقه الهلامية المتخفية في خفايا الروح ونزواتها المضللة. ويبدو انه اشتغل هذه الأعمال بهاجس التفاني في إتقان جزئياتها المتجاورة أو المتراصة، وكنسيج مشع فإن أعماله تتمتع سواء باسترخاء أو بشدة بكامل طاقة ولطافة ملونته التي يحاول مطاوعتها للاستجابة لحوامل بنائياته وبكثافة ثقلها الفيزيائي. وهي أيضا كمسطحات لا تخفي هاجس التجسيم وهيكليته البنائية. وان بدت أحيانا مسحا للسطح البيئي المدني بنوايا التسطيح. فإنها في نفس الوقت لا تبتعد بشكل كامل عن المدونة الشرقية الملونة إلا في خلوها أحيانا من وحداتها الزخرفية. فان تحولت هذه الوحدات الزخرفية إلى وحدات طبوغرافية مدنية. فان ذلك لم يحدث اعتباطا بل تشبعا بالجزئيات وفراغاتها أو حدودها الضيقة التي تعمر منطقة هي الأكثر اكتظاظا من بين مناطق السكن في العالم(لندن حيث يقيم). وأعماله هذه لا تنتسب إلا إلى ذات تنشطر أو تتناثر خلال مناطق أقاماته المتشظية على امتداد مساحة معمرة بالغاز أناسها. ولكونها إسرارا فهي تخفي تضاريسها ولا تبقي إلا على حدودها الوهمية المموهة بعتمة أو غبش او سطوع أو انحلال ألوانها. وان ملت نفسه من وهج اللون أحيانا, فانه يداري ذلك بإلغاء أو طمر أو محو وهجه بتراكم أتربة تحيلنا لتربة أيامه الماضية. ومع كل حرصه على إمساك أمكنته الجديدة فان وهنا ما يقوده للإفصاح عن تصدع بعض من هذه الأمكنة. بالرغم من إننا لا نستطيع أن نتنصل من تواريخنا بشكل كامل برغم كل ما ورثناه من فواجع هذه التواريخ. فان خيطا غليظا دائما ما يشدنا إلى هذه التواريخ. وان كان الفعل الفني لا يخاتل في استيفاء شروط إخراجه الباطنية كما هي العملية الإجرائية التنفيذية. فانه أحيانا يفاجئنا باستقصاءاته الخبيئة من أزمنة وأمكنة غير متوقعة. وأعمال كرسوم علاء سريح تتمتع بجاذبة مناطقه التجريدية التعبيرية لا تبتعد عن ذلك مطلقا. فإجراءاته التجريدية الإنشائية الملونة لا بد من ان تحاور الروح والمادة في وقت واحد لتكتمل إجراءاتها التشكيلية الجمالية.
مع كل ذلك فان كل عمل فني يضمر أسرارا. أسرار ولادته من المجهول وبنيات الفعل الإبداعي التحريضي الذي يخطف ذات الفنان. وان كنا حاورنا رسوم علاء بما تيسر لنا ببعض من معرفة، فإنها ربما تكون معرفة مضللة. وان كانت غواية التدوين التشكيلي النقدي مرادفة لغواية الفعل التشكيلي. فإننا وضمن شبكة هذه الاغواءات أو الإغراءات لا بد لنا من خوض هذه المغامرة المعرفية وبكل هاجسها الشبحي. فليس من السهولة في شيء أن نحاور فعلا تشكيليا مضمرا بالغاز الذات ومكان الإقامة من دون أن نقحم أنفسنا وسط متاهاته المصنعة بنوازع الإقامة وبعثرة خبايا الذات بين ثناياها.
 






رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  علي النجار


 

بحث :

Search Help


دليل الفنانيين التشكيليين

موسوعة الامثال العراقيه

انضموا الى قائمتنا البريدية

ألأسم:

البريد ألألكتروني:



 

 

 

 

Copyright © 1997- IraqiArt.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
ENANA.COM