... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله Bookmark and Share

 

  مقالات فنيه

   
نصب للجواهري ، أم نصب على الذقون؟

ستار كاووش

تاريخ النشر       31/12/2013 06:00 AM



وأنا أتجول بين أحضان متنزه (بورغيسه ) في روما ، لفت انتباهي شارع صغير وأنيق ، حاولت أن أكمل مسيري باتجاه مختلف حيث كنت أنوي الذهاب إلى متحف الفن الحديث ، لكنّ شيئاً ما جعلني ألتفت لقراءة اسم هذا الشارع الصغير ، كانت بالفعل مفاجأة مدهشة من العيار الثقيل ، فالشارع الأنيق هذا كان اسمه ( شارع أحمد شوقي ) فرحت حقاً وأنا أقرأ اسم أمير الشعراء بالحروف الإيطالية على يافطة جميلة ، أخذني الفضول بأن أسير في هذا الشارع حتى نهايته . سرت بين الأشجار التي تحيط بالشارع وتليق باسم شاعرنا ، كلي فخر واعتزاز بذلك وقد امتلأ رأسي بأسئلة كثيرة وعجيبة ، لكن قبل أن أجد إجابات لأسئلتي المحيرة تلك ، وجدتني أقفز فرحاً من جديد وأنا أبتسم ثم أطلق ضحكة كبيرة وأنا أشير إلى نهاية الشارع بطريقة تبدو استعراضية وبتوق يملأه الجمال ، فقد رأيت تمثالاً كبيراً ومدهشاً من البرونز يمثل الشاعر شوقي ، ثمثالاً في غاية الروعة والبراعة والتنفيذ ، وقد كتب على قاعدته الضخمة أبيات من شعر أحمد شوقي ، احتفاءً به وبما قدمه من إبداع .

سألت نفسي لماذا قام الإيطاليون بذلك ؟ كيف خصصوا مكاناً في روما المدهشة ، لشاعر عربي ؟ أتخيل الآن بلدية روما وهي تتفق مع واحد من أهم نحاتي إيطاليا ليقوم بإنجاز ثمثال لشاعرنا ، شاعرنا الذي نسيناه نحن ربما ، لكنهم تذكروه ، نسيناه كما ننسى أشياء كثيرة في حياتنا ، أشياء تنتمي إلينا بالفعل أكثر من أي شيء آخر ، أشياءً ليست عابرة بل أصيلة ومهمة ومؤثرة . لماذا ياترى فعل الرومان ذلك وهم لديهم شعراء وشخصيات فذة تستحق كلها تماثيل ؟ الجواب خطر على بالي وأنا أقف أمام تمثال شوقي وسط روما العظيمة ، خطر الجواب عارياً بسيطاً ، ليقول لي بكل ثبات إن الأبداع الحقيقي ليس له وطن ، والانفتاح على الآخر هو ما يجب أن تتعامل به الناس لإثبات المحبة والمقاصد الطيبة والانتماء إلى الإنسانية بمعناها الشامل والكبير .

لكن الأهم من ذلك هو كيف نثبت نوايانا نحن ؟ كيف نفرك جواهرنا التي أصابها سيل التخلف والمتاجرة بالوطن وثقافته وفنه ؟ ذلك الفن الذي لا نملك ما هو أعمق ولا أهم أو أجمل منه . كيف نفعل ذلك وقد باع الناس تمثال السعدون بالكيلوات على شكل خردة نحاس ؟؟!! ماذا فعلنا بأنفسنا وقد سمحنا لكل ذلك بالحدوث وكأنه لا يعني العراق وتاريخه ؟ لقد تحدثت هنا مرة عن مدينة يتغير اسمها في لمح البصر من اسم دكتاتور إلى اسم رجل دين ، هكذا بطريقة تصيب أي ( مواطن ) حقيقي بالغثيان ، وكأنك يا أبا زيد ما غزيت . فهذه ليست طريقة مشرقة لاستعادة جمال بلادنا الآفل . هذه البلاد التي ابتلت بعيون لا تكشف عن الجمال ، بل تتاجر بالقبح أيضاً . آخر صرعة أراها في بغداد هي تمثال أو نصب الجواهري ( هو نصب بالفعل ، لكن على ذقون العراقيين ) ، هل حقاً هذا ما يليق بمكانة شاعر العرب الأكبر ؟ ، ما هذه البلوى التي ابتلينا بها وما هذه السذاجة والوقاحة التي وقعت على رؤوس الناس . لا أفهم أبداً ولا أتصور ولا أتخيل ، بكل المقاييس الفنية والإنسانية والجمالية والتاريخية وحتى التجارية ، كيف نجيز تهشيم نصب (المسيرة ) للفنان خالد الرحال ونصنع عملاً للجواهري يحمل كل هذه السذاجة؟
 
 
عن صحيفة المدى.





رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  ستار كاووش


 

بحث :

Search Help


دليل الفنانيين التشكيليين

موسوعة الامثال العراقيه

انضموا الى قائمتنا البريدية

ألأسم:

البريد ألألكتروني:



 

 

 

 

Copyright © 1997- IraqiArt.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
ENANA.COM