... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله Bookmark and Share

 

  محور النقد

   
هجرة الإشارة

د. بلاسم محمد

تاريخ النشر       16/10/2011 06:00 AM


 هذا الفنان متبوع بماضيه ، يحول منفاه ووضعه كإنسان فقد وطنه – إلى أشكال إبداعية لا تحدها حدود ولا لغة ولا جنسية ، إنه يتتبع ذكرياته البصرية متغذياً بوجوده الجديد مهما كان البلد الذي يسكنه أو ينتقل إليه ، يقوم بتصفية حساب مع وجوده الفني باستمرار .. وبما أنه رسام متمكن من حرفته ، فإنه من الطبيعي أن يستغل هذه اللغة الكونية لإحياء حواريفتح له مسالك متعددة لمعرفة خاماته وموضوعه وأسلوبه.

تقع أعماله على مثلث ، التاريخ ، الوطن ، والمنفى ، حوار يبحث فيه عن لحظة تأمل في شكل ما لم يعد له وجود ، وعن هوية يتطلع إلى إدامتها ، لذلك نجد في أعماله إعادة إنتاج للكرافيكي الذي أنتجته بلاد الرافدين قبل أربعة آلاف سنة على شكل طباعة غائرة على الطين ، اسمها (الختم الأسطواني)* . المحملة (بالكتابة المسمارية)** والرموز والإشارات السحرية والباطنية.

لوحاته تقترب من عرضها إلى تلك الألواح العظيمة في قدرتها على صنع الإشارة وتنوعها .. فالإشارة في أعماله تأتي من بعيد لتحط على السطح في إطار تشكيلي وأحياناً تتزاحم خارجة من تاريخها إلى جغرافيا جديدة يصنعها الفنان .. ومن الطبيعي القول بعدم إمكانيتنا في فك شفرات وألغاز هذه الإشارات لأنها جزء من تركيبة وبنية ذهنية لحياة حضارة وشعب كان ولم يعد له وجود ، لكن الفنان أوقظها من نومها لتحمل في طياتها ما هو تاريخي مع ما هو شعبي ومادي ويومي في لغة غريبة لكنها إيحائية ، ..وعليه يمكن ان نجد هناك مفتاحاً لفهم أعمال هذا الفنان وعالمه ..

لقد ولد ثامر داود في (العراق) البلد الذي أبتكر الكتابة حيث تتحول الإشارة من صوت إلى صورة والى عامل أساس في التفكير البشري لاحقاً .. في ذلك البلد أنتقل الإنسان من الفكر الوحشي إلى الفكر المتحضر وها هو الفنان يحول صوته الداخلي إلى صور لها القدرة على جمع وربط المعتقدات وأشكالها عن طريق ثورة لونية مزدحمة ومحمولة على شكل إشارات مجاورة من الحياة اليومية التي تصادفنا في كل مكان .. كتابات من كل اللغات ، أرقام ، بقع لونية تتراكب في قاع اللوحة وتتشظى إلى الأعلى في تركيب غريب من الطبقات مثل طبقات التاريخ نفسه ففي لوحاته تصبح الأرضية حزوز لإشارات تاريخية محفورة بذات الطرائق الرافدينية ، ليبني عليها وفوقها محمولاته البصرية المعاصرة والآنية ..
 
إن هذا الأسلوب لا يتشكل بمعناه التقني وحسب ، بل بمعناه الدلالي .. فتكون أعماله هكذا أمكنة وطرق تهبط فيها الكيانات الحية وسط جموع الإشارات لتعي مكانها ومستقبلها وتاريخها .. إنه يعرض لنا الإنسان في تجلياته وصورته وهيئته ، كمن يقع فريسة تلك الضوضاء بين المعرفة والضياع .. بين التاريخ والجغرافيا .. وكان قادراً أن يكشف كل ذلك في أسرار مهنته وغنى عالمه السحري .






رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  د. بلاسم محمد


 

بحث :

Search Help


دليل الفنانيين التشكيليين

موسوعة الامثال العراقيه

انضموا الى قائمتنا البريدية

ألأسم:

البريد ألألكتروني:



 

 

 

 

Copyright © 1997- IraqiArt.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
ENANA.COM