... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله Bookmark and Share

 

  محور النقد

   
اللون بوصفه حدثا--قراءة في اعمال الفنان مصدق الحبيب

د.فائز الحمداني

تاريخ النشر       21/03/2010 06:00 AM


من اهم ملامح التغيير الذي احدثة الفن الحديث (الانطباعية وما تبعها) انها حولت مركز اهتمام الفنان والمتلقي الى عناصر اللون والخط بوصفها مركز العمل الفني وليس الصورة او الحدث الذي تنقله هذه العناصر. ان تصبح ضربة الفرشاة بحد ذاتها في اعمال فان كوخ على سبيل المثال هي ما يميز اسلوب الفنان وليس الحدث المراد تشخيصه. لقد رافق هذا التغيير رحلة الفن الحديث وصولا الى التجريد في الربع الاول من القرن العشرين حيث يقع على اللون والخط وحدهما العبء في نقل رسالة الفنان. 
ولكن ماهي رسالة الفنان في المقام الاول، يرى النقاد ومؤرخو الفن ان التصوير الفوتوغرافي ساهم بشكل فاعل في توجيه ادوات الفنان لما هو ابعد من التصوير الحرفي للظواهر والاحداث التي ترافق حياته، وانتقل به الى منطقة اعمق في وعيه ووسائل اكثر تحررا في ادواته الفنية، ولكن الفنان بدا ايضا ينظر الى موقع الحياة في الفن وليس موقع الفن في الحياة، بعبارة اخرى، ان الفنان اصبح ينظر الى الحدث بوصفة صيرورة فنية وليس العكس، اي انه ينظر الى موقع الحياة من الفن، كما ينظر الشاعر المعاصر الى صيرورة الحياة في القصيدة. لقد اصبح الفن هو الظاهرة الاشمل والحياة هي المتغير المتحرك ضمن هذه الظاهرة، وهو ما حاولت تنقلة بشكل او باخر سيميائية ما الهايبرواقعيه في الفن. لقد اصبحت الحياة تقاس بالفن وليس العكس.

من هذا المفهوم يمكن ان نقرا اعمال الفنان العراقي مصدق الحبيب، وخصوصا اعماله التكعيبية المحورة كما اسماها في كتابه الصادر عام 2009. قد يبدو عنوان التكعيبية المحورة مربكا بعض الشيء خصوصا وان الاعمال ذات طابع تكعيبي واضح، ولكن الاكثر ارباكا هو النظر اليها بوصفها اعمالا تكعيبية، لان الاعمال التكعيبية وكما هو معروف تسعى الى توظيف الاداء اللوني والخطي المتقاطع لنقل الايقاع الحركي للحدث او لشخوصه، رغم ان الاداء التكعيبي لدى كثير من الفنانين ومنهم الفنانين العراقيين ارتبط بالحس الزخرفي الفسيفسائي فاصبح الاداء اللوني بغض النظر عن ايحاءاته الوظيفية التي سعى الى ترسيخها رواد التكعيبية ، هو الطابع الابرز.

ان الارباك الذي قد يصيب المتلقي وهو يتامل اعمال مصدق التكعيبية يعود الى كون المتلقي يحاول ان ينظر الى اعماله التكعيبية من خلال مقارنته لنماذج متعددة من الفن التكعيبي لرواد التكعيبية او حتى للفنانين العراقيين الذين تبنوا هذا الاسلوب. لكي اتجاوز هذا الارباك قمت بالتعامل مع اعمال مصدق الحبيب بعيدا عن افتراضات التكعيبية نفسها او محاكاتها، لان اعماله وكما ارى تمثل تعاملا سيميائيا مع الاسلوب التكعيبي، بمعنى اخر لكي تستطيع ان تلتقي مع لوحته عليك ان لا تنظر الى المساحات اللونية بوصفها مصاحبا لاداء الشخوص في اللوحة، وانما عليك ان تنظر الى اداء الشخوص بوصفه مصاحبا للاداء اللوني في اللوحة الفنية، من خلال هذا المنظور فقط يستطيع المتلقي ان يخلق حوارا بناءا مع اعمال مصدق الحبيب (التكعيبية).

قد يبدو ربط  اعمال مصدق الحبيب التكعيبية مع الهايبرواقعيه غريبا، ولكن الحقيقة ان الهدف في الحالتين واحد، يرى امبرتو ايكو اننا نعيش حاليا في واقع افتراضي يخلقه الفن بحيث اصبحت الاشارة التي ينقلها الفن بمختلف تجلياته اكثر تاثيرا في الانسان من الواقع بحد ذاته، وهذا ما اشرت اليه في بداية مقاربتي هذه من ان الفنان بدا ينظر الى الحياة من الفن. من هذا المنظور يمكن رؤية العلاقة بين الاداء اللوني والخطي للوحة مع حركات الشخوص.
كيف يمكن ان نعكس العلاقة بين الاداء الحركي للشخوص مع الاداء التكعيبي للوحة؟ يمكن للمتلقي ان يلحظ ان الشخوص في  الكثير من اعماله لا يشكلون مركز الثقل الرئيس وانما الاداء اللوني والخطي المحيط بالشخوص، وبالتالي فان رسالة اللوحة رسالة لونية في المقام الاول وما دور الشخوص الحركي سوى ترسيخ هذا الوجود، او هو محاولة لايصال فكرة ان الحياة ممثلة بالشخوص ما هي الا صيرورة لونية تتالف بدرجات مختلفة مع محيطها اللوني والخطي فتارة تتماهى معه وتارة تنفرد بادائها الشكلي ولكنها تبقى جزءا من صيرورة اللون والخط الذي يشكل مساحة الحياة – اللوحة.

ان ما يجعل تكعيبية الفنان مصدق الحبيب تلتقي مع سيميائية الفن الهايبرواقعي هو التضخيم الفني، ويمكن ان نشير هنا الى اعمال النحات الاسترالي رون ميوك الذي يعد من اساطين الفن الهايبرواقعي، لقد صور رون ميوك شخوصه باحجام مبالغ فيها لينقل رسالة مفادها ان الفن اكثر قدرة من الحياة على تصوير الحياة نفسها، اما مصدق الحبيب فانه يضخم دور اللون والخط مقابل دور الشخوص في العديد من لوحاته ليوصل رسالته التي يمكن تلخيصها ان صيرورة الحياة وحركتها تقاس بمدى علاقتها باللون والخط ، عنصرا الحياة \ اللوحة الابرز على مدار الزمن.
                                                                                    
نيوكاسل – بريطانيا
19-3-2010





رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  د.فائز الحمداني


 

بحث :

Search Help


دليل الفنانيين التشكيليين

موسوعة الامثال العراقيه

انضموا الى قائمتنا البريدية

ألأسم:

البريد ألألكتروني:



 

 

 

 

Copyright © 1997- IraqiArt.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
ENANA.COM